فصل: تفسير الآية رقم (67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (64):

{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً} قال الزجاج: بات الرجل يبيت إذا أدركه الليل، نام أو لم ينم. قال زهير:
فبتنا قياما عند رأس جوادنا ** يزاولنا عن نفسه ونزاوله

وأنشدوا في صفة الأولياء:
منع جفونك أن تذوق مناما ** وأذر الدموع على الخدود سجاما

واعلم بأنك ميت ومحاسب ** يا من على سخط الجليل أقاما

لله قوم أخلصوا في حبه ** فرضي بهم واختصهم خداما

قوم إذا جن الظلام عليهم ** باتوا هنالك سجدا وقياما

خمص البطون من التعفف ضمرا ** لا يعرفون سوى الحلال طعاما

وقال ابن عباس: من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء فقد بات لله ساجدا وقائما.
وقال الكلبي: من أقام ركعتين بعد المغرب وأربعا بعد العشاء فقد بات ساجدا وقائما.

.تفسير الآيات (65- 66):

{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ} أي هم مع طاعتهم مشفقون خائفون وجلون من عذاب الله. ابن عباس: يقولون ذلك في سجودهم وقيامهم. {إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً} أي لازما دائما غير مفارق. ومنه سمى الغريم لملازمته. ويقال: فلان مغرم بكذا أي لازم له مولع به. وهذا معناه في كلام العرب فيما ذكر ابن الاعرابي وابن عرفة وغيرهما.
وقال الأعشى:
إن يعاقب يكن غراما وإن ** يعط جزيلا فإنه لا يبالى

وقال الحسن: قد علموا أن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم.
وقال الزجاج: الغرام أشد العذاب.
وقال ابن زيد: الغرام الشر.
وقال أبو عبيدة: الهلاك. والمعنى واحد.
وقال محمد بن كعب: طالبهم الله تعالى بثمن النعيم في الدنيا فلم يأتوا به، فأغرمهم ثمنها بإدخالهم النار. {إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً} أي بئس المستقر وبئس المقام. أي إنهم يقولون ذلك عن علم، وإذا قالوه عن علم كانوا أعرف بعظم قدر ما يطلبون، فيكون ذلك أقرب إلى النجح.

.تفسير الآية رقم (67):

{وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية. فقال النحاس: ومن أحسن ما قيل في معناه أن من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف، ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الإقتار، ومن أنفق، في طاعة الله تعالى فهو القوام.
وقال ابن عباس: من أنفق مائة ألف في حق فليس بسرف، ومن أنفق درهما في غير حقه فهو سرف، ومن منع من حق عليه فقد قتر. وقاله مجاهد وابن زيد وغيرهما.
وقال عون بن عبد الله: الإسراف أن تنفق مال غيرك. قال ابن عطية: وهذا ونحوه غير مرتبط بالآية، والوجه أن يقال. إن النفقة في معصية أمر قد حظرت الشريعة قليله وكثيره وكذلك التعدي على مال الغير، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك، وإنما التأديب في هذه الآية هو في نفقة الطاعات في المباحات، فأدب الشرع فيها ألا يفرط الإنسان حتى يضيع حقا آخر أو عيالا ونحو هذا، وألا يضيق أيضا ويقتر حتى يجيع العيال ويفرط في الشح، والحسن في ذلك هو القوام، أي العدل، والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله، وخفة ظهره وصبره وجلده على الكسب، أو ضد هذه الخصال، وخير الأمور أوساطها، ولهذا ترك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر الصديق يتصدق بجميع ماله، لان ذلك وسط بنسبة جلده وصبره في الدين، ومنع غيره من ذلك. ونعم ما قال إبراهيم النخعي: هو الذي لا يجيع ولا يعرى ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف.
وقال يزيد بن أبى حبيب: هم الذين لا يلبسون الثياب لجمال، ولا يأكلون طعاما للذة.
وقال يزيد أيضا في هذه الآية: أولئك أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثيابا للجمال، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسد عنهم الجوع ويقويهم على عبادة ربهم، ومن اللباس ما يستر عوراتهم ويكنهم من الحر والبرد.
وقال عبد الملك ابن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوجه ابنته فاطمة: ما نفقتك؟ فقال له عمر: الحسنة بين سيئتين، ثم تلا هذه الآية.
وقال عمر بن الخطاب: كفى بالمرء سرفا ألا يشتهى شيئا إلا اشتراه فأكله.
وفي سنن ابن ماجه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت» وقال أبو عبيدة: لم يزيدوا على المعروف ولم يبخلوا كقوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ} وقال الشاعر: ولا تغل في شيء من الامر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم وقال آخر:
إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت ** ولم ينهها تاقت إلى كل باطل

وساقت إليه الإثم والعار بالذي ** دعته إليه من حلاوة عاجل

وقال عمر لابنه عاصم: يا بنى، كل في نصف بطنك، ولا تطرح ثوبا حتى تستخلقه، ولا تكن من قوم يجعلون ما رزقهم الله في بطونهم وعلى ظهورهم. ولحاتم طى:
إذا أنت قد أعطيت بطنك سؤله ** وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا

{وَلَمْ يَقْتُرُوا} قرأ حمزة والكسائي والأعمش وعاصم ويحيى بن وثاب على اختلاف عنهما {يَقْتُرُوا} بفتح الياء وضم التاء، وهي قراءة حسنة، من قتر يقتر. وهذا القياس في اللازم، مثل قعد يقعد. وقرأ أبو عمرو بن العلاء وابن كثير بفتح الياء وكسر التاء، وهى لغة معروفة حسنة. وقرأ أهل المدينة وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بضم الياء وكسر- التاء. قال الثعلبي: كلها لغات صحيحة. النحاس: وتعجب أبو حاتم من قراءة أهل المدينة هذه، لان أهل المدينة عنده لا يقع في قراءتهم الشاذ، إنما يقال: أقتر يقتر إذا افتقر، كما قال عز وجل: {وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وتأول أبو حاتم لهم أن المسرف يفتقر سريعا. وهذا تأويل بعيد، ولكن التأويل لهم أن أبا عمر الجرمي حكى عن الأصمعي أنه يقال للإنسان إذا ضيق: قتر يقتر ويقتر، وأقتر يقتر. فعلى هذا تصح القراءة، وإن كان فتح الياء أصح وأقرب تناولا، وأشهر وأعرف. وقرأ أبو عمرو والناس {قَواماً} بفتح القاف، يعني عدلا. وقرأ حسان ابن عبد الرحمن: {قواما} بكسر القاف، أي مبلغا وسدادا وملاك حال. والقوام بكسر القاف، ما يدوم عليه الامر ويستقر. وهما لغتان بمعنى. و{قَواماً} خبر كان، واسمها مقدر فيها، أي كان الإنفاق بين الإسراف والقتر قواما، قاله الفراء. وله قول آخر يجعل {بَيْنَ} اسم كان وينصبها، لان هذه الألفاظ كثير استعمالها فتركت على حالها في موضع الرفع. قال النحاس: ما أدرى ما وجه هذا، لان {بينا} إذا كانت في موضع رفع رفعت، كما يقال: بين عينيه أحمر.

.تفسير الآيات (68- 69):

{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ} إخراج لعباده المؤمنين من صفات الكفرة في عبادتهم الأوثان، وقتلهم النفس بواد البنات، وغير ذلك من الظلم والاغتيال، والغارات، ومن الزنى الذي كان عندهم مباحا.
وقال من صرف هذه الآية عن ظاهرها من أهل المعاني: لا يليق بمن أضافهم الرحمن إليه إضافة الاختصاص، وذكرهم ووصفهم من صفات المعرفة والتشريف وقوع هذه الأمور القبيحة منهم حتى يمدحوا بنفيها عنهم لأنهم أعلى وأشرف، فقال: معناها لا يدعون الهوى إلها، ولا يذلون أنفسهم بالمعاصي فيكون قتلا لها. ومعنى {إِلَّا بِالْحَقِّ} أي إلا بسكين الصبر وسيف المجاهدة فلا ينظرون إلى نساء ليست لهم بمحرم بشهوة فيكون سفاحا، بل بالضرورة فيكون كالنكاح. قال شيخنا أبو العباس: وهذا كلام رائق غير أنه عند السبر مائق. وهى نبعة باطنية ونزعة باطلية وإنما صح تشريف عباد الله باختصاص الإضافة بعد أن تحلوا بتلك الصفات الحميدة وتخلوا عن نقائض ذلك من الأوصاف الذميمة، فبدأ في صدر هذه الآيات بصفات التحلي تشريفا لهم، ثم أعقبها بصفات التخلي تبعيدا لها، والله أعلم. قلت: ومما يدل على بطلان ما ادعاه هذا القائل من أن تلك الأمور ليست على ظاهرها ما روى مسلم من حديث عبد الله بن مسعود قال قلت: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: «أن تدعو لله ندا وهو خلقك» قال: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» قال: ثم أي؟ قال: «أن تزانى حليلة جارك» فأنزل الله تعالى تصديقها: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً}. والآثام في كلام العرب العقاب، وبه قرأ ابن زيد وقتادة هذه الآية.
ومنه قول الشاعر: جزى الله بنعروة حيث أمسى عقوقا والعقوق له أثام أي جزاء وعقوبة.
وقال عبد الله بن عمرو وعكرمة ومجاهد: إن {أَثاماً} واد في جهنم جعله الله عقابا للكفرة. قال الشاعر: لقيت المهالك في حربنا وبعد المهالك تلقى أثاما وقال السدى: جبل فيها. قال: وكان مقامنا ندعو عليهم بأبطح ذى المجاز له أثام وفي صحيح مسلم أيضا عن ابن عباس: أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، فأتوا محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، وهو يخبرنا بأن لما عملنا كفارة، فنزلت: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً}. ونزل: {يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ} الآية. وقد قيل: إن هذه الآية، {يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} نزلت في وحشي قاتل حمزة، قاله سعيد بن جبير وابن عباس. وسيأتي في الزمر بيانه. قوله تعالى: {إِلَّا بِالْحَقِّ} أي بما يحق أن تقتل به النفوس من كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان، على ما تقدم بيانه في الأنعام. {وَلا يَزْنُونَ} فيستحلون الفروج بغير نكاح ولا ملك يمين. ودلت هذه الآية على أنه ليس بعد الكفر أعظم من قتل النفس بغير الحق ثم الزنى، ولهذا ثبت في حد الزنا القتل لمن كان محصنا أو أقصى الجلد لمن كان غير محصن. قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً. يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ} قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي {يُضاعَفْ}. و{يَخْلُدْ} جزما. وقرأ ابن كثير: {يضعف} بشد العين وطرح الالف، وبالجزم في {يضعف. ويخلد}. وقرأ طلحة بن سليمان: {نضعف} بضم النون وكسر العين المشددة. {العذاب} نصب و{يَخْلُدْ} جزم، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: {يضاعف. ويخلد} بالرفع فيهما على العطف والاستئناف. وقرأ طلحة بن سليمان: {وتخلد} بالتاء على معنى مخاطبة الكافر. وروي عن أبي عمرو {ويخلد} بضم الياء من تحت وفتح اللام. قال أبو علي: وهي غلط من جهة الرواية. و{يُضاعَفْ} بالجزم بدل من {يَلْقَ} الذي هو جزاء الشرط. قال سيبويه: مضاعفة العذاب لقي الاثام. قال الشاعر: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا وقال آخر: إن على الله أن تبايعا تؤخذ كرها أو تجئ طائعا وأما الرفع ففيه قولان: أحدهما أن تقطعه مما قبله. والآخر أن يكون محمولا على المعنى، كأن قائلا قال: ما لقي الاثام؟ فقيل له: يضاعف له العذاب. و{مُهاناً} معناه ذليلا خاسئا مبعدا مطرودا.

.تفسير الآية رقم (70):

{إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70)}
قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً} لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عامل في الكافر والزاني. واختلفوا في القاتل من المسلمين على ما تقدم بيانه في النساء ومضى في المائدة القول في جواز التراخي في الاستثناء في اليمين، وهو مذهب ابن عباس مستدلا بهذه الآية. قوله تعالى: {فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ} قال النحاس: من أحسن ما قيل فيه أنه يكتب موضع كافر مؤمن، وموضع عاص مطيع.
وقال مجاهد والضحاك: أن يبدلهم الله من الشرك الايمان وروى نحوه عن الحسن. قال الحسن: قوم يقولون التبديل في الآخرة، وليس كذلك، إنما لتبديل في الدنيا، يبدلهم الله إيمانا من الشرك، وإخلاصا من الشك، وإحصانا من الفجور.
وقال الزجاج: ليس بجعل مكان السيئة الحسنة، ولكن بجعل مكان السيئة التوبة، والحسنة مع التوبة.
وروى أبو ذر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أن السيئات تبدل بحسنات». وروي معناه عن سلمان الفارسي وسعيد بن جبير غيرهما.
وقال أبو هريرة: ذلك في الآخرة فيمن غلبت حسناته على سيئاته، فيبدل الله السيئات حسنات.
وفي الخبر: «ليتمنين أقوام أنهم أكثروا من السيئات» فقيل: ومن هم؟ قال: «الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات». رواه أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذكره الثعلبي والقشيري.
وقيل: التبديل عبارة عن الغفران، أي يغفر الله لهم تلك السيئات لا أن يبدلها حسنات. قلت: فلا يبعد في كرم الله تعالى إذا صحت توبة العبد أن يضع مكان كل سيئة حسنة، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاذ: «اتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن».
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إني لا علم آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغار ذنوبه فيقال عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق في كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له فإن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول يا رب قد عملت أشياء لا أراها ها هنا. فلقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضحك حتى بدت نواجذه».
وقال أبو طويل: يا رسول الله، أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا اقتطعها فهل له من توبة؟ قال: «هل أسلمت»؟ قال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبد الله ورسوله. قال: «نعم. تفعل الخيرات وتترك السيئات يجعلهن الله كلهن خيرات». قال: وغدراتي وفجراتي يا نبي الله؟ قال: «نعم». قال: الله أكبر! فما زال يكررها حتى توارى. ذكره الثعلبي. قال مبشر ابن عبيد، وكان عالما بالنحو والعربية: الحاجة التي تقطع على الحاج إذا توجهوا. والداجة التي تقطع عليهم إذا قفلوا. {وكان الله غفورا رحيما}.